مراقب يجلد معوقا .. ماذا يحدث في مراكز التأهيل ؟


جريدة عكاظ 22  /  3 / 1431هـ الموافق 8  مارس 2010 م العدد 15899

عبدالإله ساعاتي

تجسد اهتمام الدولة بالفئات المعوقة ذهنيا وبدنيا من مواطني هذا البلد الطيب من خلال إصدار نظام شامل لرعاية المعوقين صدر بالمرسوم الملكي رقم م /37 في 23/9/1421 هـ والذي نص في المادة الثانية منه على أن الدولة تكفل حق المعاق في الحصول على خدمات الوقاية والرعاية والتأهيل..
وأوكلت مهام رعاية المعوقين إلى وزارة الشؤون الاجتماعية التي تضم في إطار هيكلها التنظيمي إدارة عامة لرعاية المعوقين وتأهيلهم.. وتتبع هذه الإدارة مراكز للتأهيل الشامل للمعوقين تنتشر في مناطق المملكة المختلفة.
ولقد عرف النظام مفهوم التأهيل على أنه: «عملية منسقة لتوظيف الخدمات الطبية والاجتماعية والنفسية والتربوية والمهنية لمساعدة المعوق على تحقيق أقصى درجة ممكنة من الفاعلية الوظيفية بهدف تمكينه من التوافق مع متطلبات بيئته الطبيعية والاجتماعية وكذلك تنمية قدراته للاعتماد على نفسه وجعله عضوا منتجا في المجتمع».
وبهذا فان النظام في الوقت الذي يجسد حرص الدولة على رعاية المعوقين.. فإنه يعكس حاجة هذه الفئة من مواطنينا لرعاية إنسانية حانية تتلمس احتياجاتهم الخاصة وظروفهم الصعبة من خلال الرفق بهم والحنو عليهم والتفاعل الإيجابي مع واقع حالهم الأليم.
ولكن المؤسف والمؤلم أن الأنباء تترى حول صور قاتمة من تعامل منزوع الإنسانية تجاه المعوقين نزلاء مراكز التأهيل الشامل من قبل عاملين في هذه المراكز يعتبر تحليهم برفق التعامل واجبا إنسانيا ومسؤولية وظيفية. ففي العدد رقم (15893) من هذه الصحيفة الصادر في 16 ربيع الأول الحالي نشر خبر بعنوان: «مراقب في مركز تأهيل المدينة يجلد معوقا».. مفاده أن مراقبا في مركز التأهيل الشامل بالمدينة المنورة قام بجلد معوق مصاب بشلل نصفي نزيل في المركز.. ونشرت مع الخبر صورة المعاق وآثار الجلد واضحة على جسده.. ومن ثم نشرت الجريدة أن التقرير النهائي للطب الشرعي في المدينة المنورة أثبت تأذي النزيل على يد المراقب بضربات دامية بين الكتف والساعد وأن الضرب كان قاسيا إلى درجة بقاء آثاره لأكثر من أسبوعين!!.
والغريب هو رد فعل مدير الشؤون الاجتماعية الذي لم يجد سوى توعد أسرة المعوق في حال ثبت أن شكوى ابنهم ليست صحيحة.. والقول بأن التقصير وارد.. وأن النظام ــ حسب قوله ــ ينص على أن رعاية المعوق تتم في منزل أسرته!!.
علما بأنني قرأت النظام قبل كتابة مقالي هذا ولم أجد فيه ما ذهب اليه مدير الشؤون الاجتماعية.
وهناك حالات مماثلة في مركز التأهيل الشامل في جدة تشمل إيذاء وعنفا تعرض لهما نزلاء المركز من المعوقين إلى درجة نقل بعضهم إلى طوارئ مستشفى الملك فهد العام بجدة..
على سبيل المثال، هناك شاب معوق في مركز التأهيل الشامل بجدة نقل إلى طوارئ مستشفى الملك فهد العام بجدة لكسر في يده ولم يمضِ سوى نحو أسبوع إلا وأعيد إلى طوارئ المستشفى مرة أخرى لكسر في أصبع يده!! هذا عدا الإهمال الواضح من قبل العمال المرافقين للمعاقين عند نقلهم إلى المستشفى للعلاج.
ولهذا، فإن الوضع يقتضي سرعة اتخاذ إجراءات حاسمة وفعالة وعاجلة لمعالجة ناجعة..
فمن الواضح من خلال تصريحات القائمين على جهازي الشؤون الاجتماعية في منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة أن هناك حاجة إلى خطاب جديد يرتكز على مبادئ الرفق والإنسانية تجاه المعوقين والوقوف في صفهم وليس ضدهم في كل الأحوال.
فالشؤون الاجتماعية هي المسؤولة عن حماية العنف والمعنفين والقائمين على أجهزتها هم أول من يجب أن يعمل على ذلك.. ولكن للأسف يبدو أن الجهة المسؤولة عن الحماية بحاجة إلى حماية!!
إن هناك حاجة ملحة لتطبيق معايير الجودة في مراكز التأهيل الشامل لضمان تقديم الرعاية التي نص عليها النظام الصادر بمرسوم ملكي إلى المعوقين.
وحيث أن الوزارة تتعاقد مع شركات لتوفير العمالة المطلوبة للعمل في مراكز التأهيل الشامل.. فإن من الضرورة بمكان أن تضع الوزارة اشتراطات أكثر تحديدا ودقة لاختيار عمالة جيدة ومناسبة للتعامل مع هذه الفئات.. فبعض الشركات للأسف لا يهمها سوى حصد أكبر قدر ممكن من الأرباح وبالتالي الإتيان بعمالة رخيصة غير مؤهلة.. وهذا ما يتبدى واضحا في مركز التأهيل الشامل في جدة.
ورغم أن هناك إدارة عامة بديوان وزارة الشؤون الاجتماعية تشرف على مراكز التأهيل الشامل في المناطق.. إلا أنه يبدو واضحا أن المسؤولين في هذه الإدارة أشغلتهم المعاملات الروتينية عن الخروج من المكاتب والقيام بجولات ميدانية مفاجئة ودورية لمراقبة ومتابعة أوضاع هذه المراكز.. حتى تمادى مراقبون وعمال في تجاوزاتهم.. وهو ما لم يكن ليحدث لولا غياب الإشراف والرقابة والمتابعة.
وأخيرا، فقد يكون من المناسب أن تشرع الوزارة في دراسة أمر خصخصة مراكز التأهيل الشامل.. لعل ذلك يمثل مدخلا لتحسين خدماتها وفقا لما نص عليه النظام.. وفي تصوري بتكلفة أقل مما تنفقه الوزارة حاليا.
ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أنني أعرف شخصيا القيمة العالية لفكر وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور يوسف العثيمين وخبرته الثرية وحسه الاجتماعي الكبير.. ولكن يبدو أن الخلل في الأجهزة التنفيذية.. التي نأمل أن ينصلح حالها لتقدم عطاءاتها بما يتفق وتطلعات الوزير.
وأود أن أختم المقال بالتنويه بالدور الإصلاحي الكبير الذي باتت تقوم به صحافتنا في طريق الإصلاح المنشود.

آخر تحديث
3/28/2010 11:19:26 AM