جريدة عكاظ الاحد 9/7/1434هـ الموافق 19 مايو 2013م العدد 4354
عبدالإله ساعاتي
عندما كنا ندرس في الولايات المتحدة كنا نحرص على مشاهدة أخبار الطقس.. حيث نقرر بناء عليها نوعية الملابس التي نرتديها.. وما إذا كنا نحتاج إلى اصطحاب المظلات الواقية من الأمطار.. أم لا..
فلقد كانت تقارير الطقس معروفة بدقتها الكبيرة.. وخلال زياراتي للولايات المتحدة في السنوات الماضية كنت أتابع التطور الهائل في التنبؤات المناخية التي تبث عبر محطات التلفاز.. وتقدم لك التوقعات على مدى الأيام والأسابيع والشهور بتفاصيل واسعة ودقة متناهية.
يحدث هذا رغم أن التقلبات الجوية لديهم تتباين في أجزاء من اليوم الواحد..
ويحدثني زملاء عن التطور الكبير في رصد توقعات الطقس في الكثير من الدول.
وفي بلادنا ــ للأسف ــ ما زالت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة ــ وهي الجهة الرسمية المعنية بتقارير الأحوال الجوية ــ عاجزة عن تقديم تقارير دقيقة عن الأحوال الجوية رغم الإمكانيات التي وفرت لها.. فكثيرا ما خذلت تقارير الرئاسة المواطنين عندما تأتي الأحوال الجوية عكس توقعات تقاريرها.. فكثيرا ما توقعت هطول أمطار فلا تأتي الأمطار، والعكس صحيح!!.
ولم تخذل تقارير الرئاسة المناخية المواطنين فحسب، بل شمل ذلك الجهات الحكومية المعنية.. حيث انتقدت الخطوط السعودية عدم دقة النشرات الجوية التي تبثها الرئاسة، والتي أثرت على الملاحة الجوية وعطلت رحلاتها..
وقبل ذلك، انتقد مدير عام المرور الأسبق دور رئاسة الأرصاد.. حيث صرح بأن من المفترض على رئاسة الأرصاد تنبيه الناس عن سوء الأحوال الجوية.. وذلك على أثر وقوع حوادث مرورية ناتجة عن سوء الأحوال الجوية.
ولو تحدث الدفاع المدني لقال الكثير!! أذكر العام الماضي جاءت تنبؤات بسيول في محافظة رابغ.. وجندت مختلف الجهات إمكانياتها، وأرسلت مديرية الدفاع المدني معداتها وسياراتها بل وطائراتها.. وفوجئ الجميع بأن الجو كان صحوا!!.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد.. بل حتى صياغة التقارير المناخية التي تبثها الرئاسة العامة للأرصاد تأتي في شكل عموميات حافلة بالمصطلحات التي قد لا يفهمها المواطن العادي غير المتخصص.. مثل: التشكيلات، الرياح السطحية، الرؤية الأفقية، السحب الركامية.. الكتل الهوائية وغيرها.. ثم تختتم باكليشة (جعلها الله أمطار خير وبركة)!!.
ولقد طالعت الموقع الإلكتروني للرئاسة العامة للأرصاد، واطلعت على تقارير الأحوال الجوية التي تبثها.. وتذكرت الطبيب الذي يعطي المريض كافة أشكال الأدوية لعل أحدها يصيب الداء.. فتوقعات الأمطار في هذه التقارير لا تترك منطقة من مناطق المملكة إلا وتذكرها!! .
وهو الأمر الذي دفع الكثير من المواطنين اليوم إلى صرف النظر عن تقارير رئاسة الأرصاد، والتوجه إلى المواقع الإلكترونية العالمية المختصة بالأحوال الجوية للتعرف على المتغيرات المناخية في بلادهم، حيث يجدون فيها معايير الدقة والمصداقية.
وخلال الأسابيع الماضية اجتاحت أمطار غزيرة وسيول جارفة العديد من المناطق.. وأدت إلى عزل وإخلاء مئات الأسر.. وتلف الكثير من المنازل.. مخلفة وفيات وإصابات متعددة.
واستمر إخفاق تقارير رئاسة الأرصاد في التنبؤ بالكثير من هذه المتغيرات الجوية.. التي كان من الممكن في حال دقتها أن تجنب الكثيرين من آثارها.
ولقد كنت أتوقع أن تنهض الرئاسة العامة للأرصاد عقب كارثة سيول جدة إلى تأمين أحدث ما أنتجته التقنيات العالمية في هذا المجال، والى ابتعاث المئات من الموارد البشرية للدول المتقدمة للتحصيل العلمي الحديث والمتطور في حقول الرصد المناخي.. لتكون الرئاسة جاهزة لمواجهة مرحلة جديدة من التغيرات المناخية التي أكدت المراكز العالمية والعلماء المتخصصين حدوثها عقب تداعيات ما يعرف بالتغير المناخي العالمي Global Warming .
وبهذا فقط تستطيع الرئاسة العامة للأرصاد أن تكون خير عون للمواطنين والأجهزة الحكومية المعنية في مواجهة الكوارث الناتجة عن التغيرات المناخية والحد من خسائرها المادية والبشرية.
لقد تأخرت الرئاسة العامة للأرصاد كثيرا في الاستفادة من معطيات التقنية العالمية الحديثة في رصد الأحوال الجوية.. وربما آن الأوان لإنشاء هيئة مستقلة معنية بالتغيرات المناخية، بحيث يكون تركيزها متمحورا حول المتغيرات المناخية وآليات رصدها بصورة دقيقة، ومن ثم التنبيه المبكر من تداعيات حدوثها.
|