جريدة عكاظ 19/5/1434 هـ الموافق 31 مارس 2013 م العدد 4305
عبدالإله ساعاتي
عندما نستقرئ تاريخ البعثات التعليمية السعودية.. نجد أن جذورها تعود إلى (مدرسة البعثات) بمكة المكرمة في مطلع القرن الماضي.. والتي كانت تتولى تأهيل الطلاب للابتعاث الخارجي.. حيث شهد العام 1929م أولى البعثات التعليمية السعودية إلى مصر.. ثم اتسعت وجهات البعثات التعليمية السعودية إلى بريطانيا وعدد من الدول الأوروبية.. وبعدها إلى الولايات المتحدة التي شهدت أكبر البعثات في السبعينيات والثمانينيات الميلادية من القرن الماضي.. بعدها تقلصت البعثات بشكل كبير حتى جاء هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حيث أطلق ــ حفظه الله ــ في عام 2005م (برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي) الذي يعد فتحا تنمويا تاريخيا.. بدأت انعكاساته الكبيرة تظهر على خارطة التنمية البشرية والحضارية في المملكة.. والمرتقب أن تزداد هذه الانعكاسات الإيجابية عمقا واتساعا خلال السنوات القليلة القادمة ــ بمشيئة الله تعالى ــ في ظل وجود نحو (90) ألف مبتعث ومبتعثة ينهلون من معين أحدث العلوم والمعارف في مؤسسات علمية متطورة.
ورغم أن بعضنا يظن أن المبتعثين السعوديين في الولايات المتحدة ينعمون برغد العيش ويستمتعون بالمزايا السياحية فيها.. إلا أن هذا الظن بالتأكيد في غير محله.. كان يمكن أن يكون ذلك صحيحا فيما لو كانت فترة تواجدهم مقتصرة على شهر أو شهرين.. ولكن المبتعثين مقيمون في تلك البلاد بالسنوات، وبالتالي يعانون لظى الغربة والابتعاد عن الأهل والوطن والأصدقاء.
ويضاعف من معاناتهم في الغربة.. عدم كفاية المكافأة الشهرية مع الارتفاع المتواصل في تكاليف المعيشة في الولايات المتحدة.. إن راتب المبتعث السعودي في الولايات المتحدة يبلغ 1800 دولار شهريا.. يلتهم إيجار البيت نحو 1200 دولار منه.. وفي بعض مناطق شمال وشرق أمريكا يصل إلى 1500 و2000 دولار. ولكن إذا ما أخذنا مثلا 1200 دولار للإيجار.. فإن ما يتبقى للمبتعث من مكافأته الشهرية هو مبلغ 600 دولار.. وهذا المبلغ لا يمكن أن يكفي لتسديد فواتير الكهرباء والهاتف والإنترنت والبنزين وتأمين السيارة وشراء الكتب والمستلزمات الدراسية.. إضافة إلى تغطية تكاليف الإعاشة والوجبات الغذائية..
أما إذا كان المبتعث متزوجا ولديه أطفال، فإن المشكلة الكبرى تتمثل في «الحاضنات».. وهي المدارس التي يدخل فيها المبتعث أطفاله الصغار.. حيث لا تقل تكلفة الحاضنات للطفل الواحد عن (500) دولار أمريكي في الشهر!! ولا يوجد أمام المبتعث أي بديل آخر عوضا عن إيداع أطفاله في الحاضنات، ذلك أنه مشغول بدراسته وكذلك حال زوجته.
ولهذا يلجأ بعض المبتعثين إلى الاستعانة بأهلهم في المملكة لدعمهم ماديا بشكل مستمر.. ولكن هناك من المبتعثين من ليس لدى أسرته إمكانية دعمه ماديا.. الأمر الذي يعرضه لمواقف عصيبة وصعبة.
إن مشروع الابتعاث الخارجي.. هو مشروع حضاري تاريخي كبير.. وتنفق الدولة مشكورة في تمويله مبالغ مالية كبيرة.. ولكن هناك ثغرات بسيطة لها تأثيرات سلبية.. وفي مقدمتها موضوع مكافأة المبتعثين التي تؤكد الحقائق الدامغة الحاجة الملحة لزيادتها بما يتواكب مع تكاليف المعيشة في الولايات المتحدة والدول الأخرى.. حتى نوفر لمبتعثينا ــ فلذات أكبادنا ــ الاستقرار النفسي والاجتماعي.. ليتفرغوا لدراستهم وتحصيلهم العلمي،
خصوصا أن زملاءهم من مبتعثي دول مجلس التعاون يحصلون على مكافآت أعلى بفارق عن ما يحصل عليه المبتعث السعودي. الأمر الآخر الهام.. هو أن هناك حاجة ماسة لتفعيل دور الملحقية الثقافية في مساعدة المبتعثين للحصول على (قبول) للدراسات العليا.. فرغم أن لدى الملحقية إدارة للقبول.. إلا أن دور هذه الإدارة يكاد يكون معدوما فيما يختص بمساعدة المبتعثين للحصول على قبول للدراسات العليا في الجامعات..
وهذا أمر هام.. وهو من صميم عمل الملحقية.. ولكنها ــ للأسف ــ لا تولي هذا الأمر قدره من الاهتمام.. والنتيجة هي أننا بدأنا نشاهد عودة بعض مبتعثينا نتيجة عدم استطاعتهم الحصول على قبول لمواصلة دراستهم، وهو ما يمثل خسارة كبيرة للوطن.. فأين دور الملحقية؟!.
|