جريدة عكاظ الاحد 28/4/1434 هـ الموافق 10 امارس 2013 م العدد 4284
عبدالإله ساعاتي
في مطلع العام 1424هـ تلقيت اتصالا من معالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية آنذاك.. الرجل الكبير علما وفكرا وخلقا وعملا الدكتور علي النملة.. يبلغني فيه باختياري عضوا في مجلس إدارة الصندوق الوطني لمعالجة الفقر الذي أنشأه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالأمر السامي الكريم رقم 41362/خ في 25 شوال 1423هـ وذلك عقب زيارته التفقدية التاريخية لمنازل بعض الأسر الفقيرة في مدينة الرياض.
ولقد حدد الأمر السامي دور الصندوق بمعالجة الفقر بطرق «غير تقليدية» .. وهو ما يعكس رؤية عميقة للآلية المأمولة من الصندوق.. وكذلك تفهما واعيا لواقع المشكلة.. فمعنى «غير تقليدية» الخروج من نمطية إعطاء الفقير إلى تمكينه من الكسب الشريف.. بما يعبر عنه المثل القائل بتعليم الفقير صيد السمكة بنفسه خيرا من إعطائه سمكة.
وبالتوازي مع إنشاء الصندوق تم تشكيل فريق متكامل لوضع استراتيجية شاملة لمعالجة الفقر من خلال دراسات ميدانية ومسوحات بحثية انتهت بوضع الاستراتيجية التي أقرها مجلس الوزراء في العام 1427هـ.
ولقد صدمت في إحدى المناسبات وخلال حديث مع أحد المسؤولين رفضه لمسمى الصندوق مشيرا إلى أنه لا يوجد في بلادنا فقراء!! وأن المحتاجين تصلهم المعونات المالية التي لا تجعلهم فقراء !!.
ولاريب أن زيارة خادم الحرمين الشريفين التاريخية لبيوت بعض الأسر الفقيرة تمثل اعترافا رسميا لأول مرة بوجود ظاهرة الفقر في المملكة.. حيث لم تكن قبل هذا التاريخ توجد توجهات رسمية معلنة للاعتراف بالفقر ومعالجته وإيجاد استراتيجية شاملة لمحاربته..
وهو بهذا يقدم نموذجا مضيئا لوعي القائد وحرصه الكبير على مصالح شعبه فالاعتراف بالمشكلة يمثل نصف الطريق إلى حلها.
والفقر ظاهرة عالمية معقدة لها أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وهي موجودة في جميع الدول وفي كل الأزمان ولكن حجمها يتفاوت وهذا هو المهم.
وتشير إحصائيات هيئة الأمم المتحدة إلى أن خمس سكان العالم يمكن تصنيفهم بأنهم فقراء مؤكدة على أن الفقر يختلف باختلاف الدول والثقافات والأزمنة.
ولنا في ديننا الاسلامي الحنيف أسوة في السعي الحثيث لمحاربة الفقر.. فمن المأثور عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه دعائه : «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر».. فنبينا صلوات الله عليه جعل الفقر في مستوى الكفر.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «لو كان الفقر رجلا لقتلته».
ولقد تغير مسمى «الصندوق الخيري» غير مرة حتى أصبح اسمه حاليا: «الصندوق الخيري الاجتماعي»!!.
ورغم أن الصندوق بدأ بداية قوية برئاسة معالي الدكتور علي النملة.. حيث كانت اجتماعات مجلس إدارته منتظمة وضم كفاءات عالية ووضع الأسس والأنظمة واللوائح والخطط والبرامج ونظم حملة توعوية مكثفة.. إلا أن دوره تراجع بعد أن ترك الدكتور النملة الوزارة.. وغاب الصندوق عن المشهد المحلي واقتصر دوره بشكل أساسي على التعاقد مع معاهد التدريب الأهلية لتدريب متدربين!! هذا رغم دعمه بميزانية مجزية بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين.
والتدريب هو هدف واحد من مجموعة أهداف حددت للصندوق لم تفعل بالصورة المأمولة حتى الآن.. فالمفترض أن يضطلع الصندوق بمسؤولية الحد من مشكلة الفقر بأساليب غير تقليدية من خلال مساعدة المعوزين وفق برامج متنوعة علاجية ووقائية.. بما يحقق استثمارا أفضل لطاقات الفقراء غير المستغلة.. ومن خلال النظر للمشكلة وأسبابها وتهيئة المناخ اللازم للحد منها..
إن مشكلة الصندوق الأساسية هي أنه يعمل بدون الاستناد إلى الاستراتيجية الوطنية الشاملة لمعالجة الفقر.. والتي تحتوي على قاعدة معلومات هامة وشاملة عن الفقر والفقراء في المملكة.
ومشكلة الصندوق أنه يعمل دون الرجوع إلى الأهداف الموضوعة له.. والتي تشمل إنشاء حاضنات الأعمال وتنمية المشاركة المجتمعية في محاربة الفقر وتوعية المجتمع ورفع مستوى وعي الفقراء بالفرص التدريبية والمساهمة في إيجاد فرص عمل للفقراء والتنسيق الفاعل لتأمين احتياجات الفقراء من الخدمات الصحية والإسكانية والاجتماعية والتعليمية وتيسير الإجراءات المتعلقة بمصالح الفقراء. فضلا عن تفعيل دور الجمعيات الخيرية في مواجهة هذه المعضلة الكبرى.
|