صناعة التأمين في المملكة ... الواقع والمستقبل

أصبحت صناعة التأمين من أهم مقومات البناء الإقتصادي في الكثير من دول العالم ، حيث تساهم هذه الصناعة في رفع معدلات النمو الاقتصادي وخفض معدلات البطالة من خلال توفير فرص العمل، هذا إلى جانب البعد الاجتماعي للتأمين في توفير الرعاية الصحية لافراد المجتمع وحماية المستثمرين على اختلاف مستوياتهم وفئاتهم من تكبد خسائر مالية قد تقوض قدراتهم الاقتصادية.

والتأمين نوعا، الأول هو التأمين التجاري السائد في الدول الغربية، وهذا النوع يستهدف الربح أولاً وأخيراً، وهو غير جائز شرعاً ولم يجاز من قبل أي هيئة شرعية إسلامية سواء في داخل المملكة أو خارجها.

أما النوع الثاني، فهو التأمين التعاوني الذي يستهدف التعاون والتكافل، تعاون الأثرياء مع الفقراء وتعاون الأصحاء مع المرضى، وتعاون أصحاب العمل مع العمال وتعاون المجتمع ككل مع الفرد في تحمل تكاليف الخطر الذي قد يتعرض له. وهو ممارسة تجد جذورها في المجتمعات الاسلامية، فلقد امتدح الرسول صلى الله عليه وسلم التعاون القائم على المشاركة بين الأفراد في درء الخطر، حيث جاء في الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم".

كذلك الحال في أحكام "العاقلة" في الشريعة الاسلامية، والعاقلة هي أقرباء الشخص الذين يتحملون عنه الدية الناتجة عن القتل الخطأ.

وفي الأسر السعودية قديماً كان الأفراد يضعون جزءاً من أجورهم لدي رب الاسرة يحفظها لاستخدامها عند تعرض أحد أفراد الاسرة لمخاطر.

ولقد أجازت هيئة كبار العلماء التأمين التعاوني بقرارها رقم (51) الصادر في 4/4/1397هـ ، كما أجازه مجمع الفقه الإسلامي.  

وعندما نتحدث عن صناعة التامين في المملكة العربية السعودية، نجد أن البلاد عرفت التأمين منذ الثلاثينيات الميلادية في القرن الماضي، وذلك مع دخول شركات التنقيب عن البترول حيث عمدت تلك الشركات إلى التعاقد مع شركات عالمية للتأمين على معداتها وعمالها وعلى الناقلات النفطية، ومع إنشاء شركة أرامكو اتسعت دائرة تطبيق التأمين بأنواعه المختلفة.

ولكن رغم ذلك فإن التأطير النظامي لصناعة التأمين في المملكة لم يبدأ إلا في عام 1420هـ، حيث صدر أول نظام تأمين سعودي وهو (نظام الضمان الصحي التعاوني) الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/10) في 1/5/1420هـ ، تبع ذلك صدور نظام التأمين الالزامي على رخص قيادة المركبات وذلك بقرار مجلس الوزراء رقم (222) في 13/8/1422هـ.

وكان قد صدر في 15 شعبان 1423هـ قرار مجلس الوزراء القاضي بتطبيق نظام الضمان الصحي التعاوني على كافة السعوديين العاملين في شركات ومؤسسات القطاع الخاص.

ويرجع سبب تتابع صدور الأنظمة الرسمية المنظمة لأعمال التأمين، إلى أن سوق التأمين السعودي ظل لفترة طويلة يعمل في ظل فراغ تنظيمي حاد أدى إلى حدوث شئ من الفوضى النسبية في هذا المجال.

وتشكل صناعة التأمين في المملكة العربية حالياً 0.7% من الناتج الوطني، ومن المتوقع أن تصل إلى 3.7% خلال السنوات القليلة القادمة.

ويبلغ عدد العاملين في قطاع التأمين بالمملكة حالياً 2.700 موظف، من المتوقع أن يصل هذا العدد إلى نحو 10.000 موظف في الفترة القادمة.

أما حجم سوق التأمين في المملكة حالياً فيبلغ نحو (5) مليارات ريال، من المتوقع أن يرتفع إلى نحو (20) مليار ريال خلال السنوات القادمة.

إجمالاً يمكن القول أن صدور التنظيمات المنظمة لأعمال التأمين من شأنها أن تنظم عمل هذا القطاع وتحفظ حقوق المتعاملين في إطاره وتؤدي إلى تطويره، وذلك ينعكس إيجاباً على الإقتصاد الوطني وعلى المستفيدين من خدمات التأمين مواطنين ومقيمين، فلا زلنا في بداية الطريق الطويل .


آخر تحديث
8/10/2008 10:32:32 AM